كتب : محمود فوزي
ما هو المقصود بارتفاع معدل التضخم، ولماذا تلجأ الدول إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة هذا التضخم ؟!
المقصود بالتضخم فى أبسط صوره وجود سيولة كثيرة من النقود فى أيدى المواطنين في مقابل سلع قليلة فى السوق، وبالتالى يكثر الطلب علي السلع مع قلة المعروض و يندفع الناس للشراء، فترتفع أسعار السلع بنسب متزايدة
هنا يجيب علي الحكومات إيجاد حلول سريعة للحد من زيادة الأسعار والعمل علي خفض التضخم
وأحد هذة الحلول الأساسية هو رفع سعر الفائدة حتى تقنع المواطنين الحائزين للنقود بوضعها فى البنوك مقابل سعر فائدة مرتفع، وبالتالى تقل النقود ويحدث التوازن مرة أخرى، وينخفض التضخم وينخفض الطلب على السعر والعمل علي التوازن بين العرض والطلب
لكن بطبيعة الحال فإن التضخم يعنى أيضا من زاوية أخرى «وجود نقود لكن مع عدم وجود سلع»
وبالتالى فالحل السحرى لكل المعضلات والمشكلات والأزمات الاقتصادية خصوصا التضخم، هو زيادة الإنتاج خصوصا الزراعى والصناعى وبالتالى زيادة الصادرات والعمل علي استثمارات محلية وأجنبية وتشجيعها وإزالة أي معوقات أمامها لتقوم بدورها إلى توافر وزيادة ما تمتلكه أى دولة من العملات الاجنبية التى تعود بدورها إلى التوسع أكثر فى الاستثمار وهناك التجربة الصنية والأسيوية خير دليل علي ذلك وخير نموذج
لكن هناك سؤال يطرح نفسه لماذا تضطر غالبية الدول إلى رفع أسعار الفائدة بمجرد أن تقوم الاولايات المتحدة الأمريكية برفع سعر الفائدة
وربما يكون السؤال المولح والأول هو: ولماذا لجأت أمريكا من البداية إلى رفع سعر الفائدة فى الفترة الأخيرة وتنوى رفعها ثمانى مرات خلال ثلاث سنوات لتصل إلى ٣٪ أو أكثر؟!
السبب الرئيسي أن أمريكا تشهد تضخما هو الأعلى منذ أربعين عاما، وهو تضخم يضرب العالم كله تقريبا بنسب مختلفة. هذا التضخم له أسباب كثيرة داخلية وخارجية لكل بلد، لكن هناك سببان أساسيان يشترك فيهما كل العالم تقريبا.
فى أوائل عام ٢٠٢٠ ضربت كورونا العالم كله، فأصابته بحالة من الشلل، وتوقفت قطاعات اقتصادية كثيرة عن العمل بسبب الإغلاقات المتكررة، ولذلك اضطرت الدول الغنية إلى توزيع إعانات للفقراء والعاطلين، أو حزم لتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، بسبب ذلك صارت هناك نقود كثيرة فى أيدى الناس، لكن من دون وجود إنتاج فى الأسواقو
حينما بدأت تأثيرات كورونا تقل إلى حد كبير فاجأه اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقفت كل سلاسل الإمدادات أكثر مما ادا إلي زيادة كبيرة في أسعار العديد من السلع خصوصا الحبوب، وكذلك ارتفعت أسعار البترول إلى مستويات شبه قياسية وكذلك عودة كورونا مرة أخرى إلى الصين المنتج والمصدر الأكبر فى العالم .
ذه العوامل الرئيسية والأساسية مع عوامل مختلفة فى كل دولة على حدة قادت إلى مستويات مرتفعة من التضخم أى أموال كثيرة مع إنتاج أقل. فماذا تفعل الدول فى هذه الحالة؟!
الحل الأسهل والمجرب والتقليدى هو رفع أسعار الفائدة كى يتم إغراء الناس بإيداع أموالهم فى البنوك للحصول على نسبة فائدة مرتفعة، بدلا من وجودها فى أيديهم، وهكذا يحدث التوازن فى السوق مرة أخرى.
سعر الفائدة فى أمريكا نحو ١٪ وهو نفس المستوى فى غالبية البنوك الأوروبية، ولهذا السبب فإن كبار المغامرين وصناديق الاستثمار والتقاعد تحصل على قروض دولارية بسعر فائدة مخفض من أمريكا وأوروبا وتقرضه لبنوك الأسواق الناشئة مثل تركيا وجنوب أفريقيا والأرجنتين ومصر وغيرها من الدول، وتغير الدولار إلى العملات
لتوفير العملات الصعبة للأسواق الناشئة، فى ظل ضعف الاستثمار المباشر وتراجع الصادرات.
وبالتالى فإنه حينما تقوم الولايات المتحدة برفع سعر الفائدة بأى نسبة حتى لو كانت قليلة فإن غالبية هذه الأموال الساخنة تعود إليها حيث الاستقرار وعدم المخاطرة، وبالتالى فإن الأسواق الناشئة تضطر إلى رفع سعر الفائدة بنسبة أكبر حتى تجذب الأموال الساخنة مرة أخرى، إضافة لهدف أساسى وهو القضاء على «الدولار بخفض الفائدة على الدولار لأقل مستوى ممكن، وإقناع مواطنيها بوضع أموالهم بالعملة المحلية فى البنوك الوطنية للحفاظ على قيمتها. طبعا هناك أضرار كثيرة لرفع سعر الفائدة أهمها أنها تجعل الناس يفضلون وضع أموالهم كودائع فى البنوك بدلا من استثمارها فى مشروعات وبالتالى توجه ضربة صعبة للاستثمار فى ظل الفائدة المرتفعة على القروض، لكن بالطبع فإن صانع القرار يواجه معضلة كبرى فى الاختيار بين تحقيق أهداف وأولويات عاجلة مختلفة ومتضاربة.
إرسال تعليقك عن طريق :